منهجية البحث القانوني

البحث القانوني
بقلم الباحث:الأستاذ علي مراح
كلية الحقوق – جامعة الجزائر
مقدمة: أهمية منهجية البحث القانوني
إن البحث العلمي عمل و جهد فكري ، و بناء فني، يقوم على أسس ويخضع لقواعد
وتحكمه ضوابط، لا يمكن أن يكون ناجحا أو ذا جدوى بدوﻧﻬا، ولا يمكن أن يقام على
هواجس وهميّة أو مبهمة كما يتصور بعض الباحثين بأﻧﻬم يحملون هموم العالم، ولهذا يكلفون
أنفسهم مشقة التصدي للمواضيع الكبرى التي تخلص العالم من محنه ومشكلاته . كما أن البحث
العلمي القانوني ليس هو جمع معلومات متنوعة وتكديسها، ثم تدوينها في بحوث للحصول على
درجة علمية أو نشرها في كتب مقررة دون اعتماد منهج واضح التفكير والتحليل . وإنما لا بد
من توظيف تلك المعلومات وذلك بفحصها وتقييمها وتنظيمه ا، ويتم هذا بعمليتي التحليل
والنقد، وما تؤدي إليه من تركيب وخلق علمي وفقا لمنظور الحياة والواقع المعيش، وفي سياق
تطور اﻟﻤﺠتمع . ومن ثم معالجة المستجدات والمسائل القانونية من خلال الوقائع والأحداث
المعروضة، والبحث عن الحلول القانونية لها بطريقة علمية وأسلوب مقنع.
ومن ثم ترتبط المنهجية بالعلوم القانونية بمختل ف فروعها وأقسامها . فهي ﺗﻬدف إلى
إكساب الدارس الطريقة والأسلوب العلمي والمنطقي في التعامل مع المواضي ع المختلفة
وتزوده بأدوات كيفيّة استعمال المعلومات المحصلة والتي يستقيها من المراجع المختلفة للقيام
بأي عمل علمي.
ولكن ما هي أنواع البحوث العلمية الممكن القيام ﺑﻬا؟
أولا: تصنيف البحوث العلمية
تُصنَّف البحوث منهجيًّا إلى بحوث نظرية أساسية ، وبحوث عملية تطبيقية . ولكن البحث
العلمي لا يكون ذا جدوى وقيمة علمية فعالة إ ّ لا بتكامل وتفاعل هذه البحوث معًا.
2
وهذا يستوجب التعاون والتكامل بين الباحث الأكاديمي (حتى لا يبقى يُنَظ ر في برجه
العاجي، ولا يجد آذانا صاغية، فيشعر بالتهميش والإحباط ) وبين الباحث العملي التطبيقي الذي
يواجه الواقع المعيش ويحاول إيجاد حلول لما يعرض عليه من مشاكل، (وهذا حتى لا يظل هذا
الباحث الميداني ي تخبط في نفق من المشاكل عساه أن يجد بصيصا يُخرجه من المأزق الذي هو
فيه).
ولهذا تقضي منهجية البحث العلمي التكامل والتعاون المتفاعل بين البحث النظري
الأكاديمي والبحث العملي التطبيقي، لأن البحث العلمي يقوم عليهما معًا.
ولكن للقيام بأي عمل علمي تقضي منهجية ا لبحث إتباع مجموعة من الخطوات
الإجرائية والفكرية حتى يتصف ذلك العمل بشروط البحث العلمي.
ثانيا: خطوات المنهجية
فإذا كانت المنهجية هي مجموعة من الخطوات التي يتبعها الباحث في معالجة موضوعًا
معينا ينطوي على مسألة أو قضية تستدعي البحث لإيجاد حل أو توضيح أو تفسير لها، وذلك
بأقل جهد وأقصر طريق.
إذن فيما ذا تتمثل هذه الخطوات التي تستوجبها المنهجية على الباحث ليتبعها من أجل
الوصول إلى نتيجة أو النتائج المرجوة أو المراد تحقيقها، بأقل جهد وأقصر طريق.
خطوات منهجية البحث القانوني:
تستوجب المنهجية للقيام بأي عمل علمي إتباع خطوات معيّنة، تتفاعل فيها عمليات
فكرية فنّية، وإجراءات عملية تنظيمية.
وهذه الخطوات عامة ومشتركة ، ولكن يتفاوت تطبيقه ا بحسب طبيعة موضوع البحث،
ووفق غرض وقصد الباحث.
ولذلك يتم تطبيق هذه الخطوات بدرجات مختلفة، فتُك يَّفُ وتُطوَّع لإسقاطها بما يتماشى
ويلائم معالجة المشكلة أو القضية محل البحث.
وينعكس هذا على المنهجية، التي يطبقها الباحث الأكاديمي ، بحيث تتميز بنوع من المرونة
والحرية التي يقتضيها الأسلوب الأكاديمي من إضفاء رونقا وديكورا من المحسنات حتى يكون
3
البحث أكثر تشويقا وجاذبية ، أما المنهجية التي يطبقها الباحث الميداني فهي أكثر صرامة ودقة،
حيث تتميز بالطابع العملي التطبيقي الجاد من أجل إيجاد حل لمشكلة قائمة ملحة بأسرع ما
يمكن.
ولكن يظل التكامل والتعاون بينهما سمة البحث العلمي الفعال خاصة في مجال القانون .
ويقوم ﺑﻬذه الأعمال الباحث وباعتباره العنصر المتحر ك الفعّال والممتاز، يجب أن تتوفر فيه بعض
الصفات أهمها: المؤهلات العلمية، والقدرات الفكرية، التخصص والدراية و الإمكانيات.
وأهم الخطوات الواجب إتباعها من طرف الباحث للقيام بعمل بحثي تتمثل فيما يلي:
1. تحديد الموضوع محل البحث بدقة، ووضوح، وإيجاز دالٍ.
فمثلا (يحدد المستشار موضوع الاستشارة المطلوبة منه استنادًا على ما يقدمه المستشير من
وقائع ومعطيات وأسئلة حولها ليبيّن له حكم القانون في ذلك).
كذلك المحامي يحدد موضوع العريضة التي يتولى تقديمها بالاستناد على أدلة ووقائ ع
وطلبات أو دفوع موكله.
كما يحدد القاضي موضو ع التراع المعروض أمامه اعتمادًا على ما يقدمه الخصوم من
حجج وأدلة إثبات ووقائع منتجة، فيقوم بعملية تكييف التراع قانونيا ، وبالتالي يبلور المشكل
القانوني، ومن ثم يبحث عن القاعدة أو القواعد القانوني ة المناسبة لإسقاطها على هذا المشكل
المعيّن لإيجاد حل له.
وﺑﻬذا الصدد يجدر التنويه بجهود ودور القضاء ليس عند غياب النصوص القانونية فقط ،
وإنما أيضا فيما يبذله لتكييف تلك النصوص العامة واﻟﻤﺠردة وتطويعها لتنطبق على حالات معينة
بذاﺗﻬا، مما يستوجب على القاضي أن يتوخى منهجية معينة لإيجاد الحل القانوني المناسب لحالة
التراع المعروض أمامه.
2. جمع المعلومات والبيانات حول موضوع البحث:
ويكون هذا بفحصها وتقييمها وتصفيتها وتنظيمها وفقا للمسعى المتوخى تحقيقه أو القصد
المراد الوصول إليه.
4
3. تحديد الإشكالية:
وهذا لا يتأتى إلا بتحديد الإشكالية أي المشكل الذي يثيره الموضوع مح ل البحث من
أجل إيجاد حل أو تفسير له.
إذن تتمثل الإشكالية فيما يطرحه ويثيره موضوع البحث من مسائل وقضايا تستدعي
البحث لإيجاد حل لها.
وتجدر الإشارة ﺑﻬذا الصدد إلى التفرقة بين كيفية طرح الإشكالية في الدراسات الأكاديمية
التي يغلب عليها طابع البحوث النظرية الأساسية، باعتبارها ﺗﻬدف إلى الإحاطة بالمعرفة وتطوير
العلوم بغض النظر عن تطبيقها، وصياغة الإشكالية التي تنصب حول تحديد مشكل قانوني مثار
بصدد موضوع معيّن يتطلب معالجة ملحة لإيجاد ح ّ ل عملي ميدانيّا.
فمثلا (تحديد القاضي لمشكل التراع وتكييفه من أجل الفصل فيه ). وأيضا تحديد المحامين
لمشكل الخصومة التي يتأسس فيها للمرافعة في حق موكله.
فمهمة الباحث القانوني في هذه الحالات هي تكييف القضية لتحديد المشكل أو المسائل
القانونية التي تثيرها تلك القضية، وهذا يسهل عليه معالجتها في ضوء الأحكام القانونية التي
تنطبق على هذه ا لقضية المطروحة، وتبيان الآثار القانونية المترتبة على ذلك، والإجراءات
القانونية الواجب اتخاذها بصدد ذلك.
ولهذا يتعيّن على الباحث القانوني، (القاضي أو المحامي، أو المستشار وغيرهم ) تبيان
أحكام القانون المكرسة لحل المشكل المطروح.
ولذلك تبدو الإشكالية في الأع مال الأكاديمية أكثر مرونة ووضوحا، باعتبارها تبين
المدخل المنهجي الذي يتبناه الباحث كمسار لمعالجة الموضوع المحدد . ومن ثم يمكن معرفة
المسعى المراد تحقيقه أو الوصول إليه.
ولهذا يجب أن تصاغ الإشكالية بما يخدم الغرض من البحث، وﺗﻬدف إلى تحقيق المسعى
الذي ينشده الباحث ووفق منهجية واضحة.
وهذا يتم تجسيده ضمن وضع خطة بحث محكمة.
5
4. وضع خطة البحث:
يرتبط وضع خطة البحث بالإشكالية التي يطرحها لانبثاقها عنها، حيث تعد خطة البحث
كأجوبة أولية عن التساؤلات المطروحة ضمن تلك الإشكالية.
ولهذا فإن التفكير في وضع خطة البحث يسبقه التفكير في صياغة الإشكالية التي تنبثق عما
يثيره موضوع البحث من مشكلات تحتاج إلى بحث ودراسة . ومن ثم تُستخرج الأفكار المتتابعة
التي تبيّن أجزاء الخطة الرئيسية ثم تقسم داخليا حسب تفريعاﺗﻬا.
وهذا يقتضي تبيان أهمية خطة البحث، وكيفية إعدادها وشروط وضعها ضمن ال فقرات
الموالية.
أ. أهمية خطة البحث:
تقدم خطة البحث التركيبة الهيكلية والتصميم الفكري للموضوع المعالج، وذلك بتحديد
الأفكار الرئيسية التي يتضمنها.
ولهذا فالخطة عمل تقني وجهد فكري بواسطتها يتمكن الباحث من السيطرة على أبعاد
الموضوع الذي يتناوله بالبحث، فهي ﺗﻬدف إلى ترتيب تلك الأفكار والبيانات المحصلة بصفة
منتظمة متسلسلة ومرتبطة بعضها بالبعض.
وكل ذلك من أجل إبراز أهمية ما يراد تبيانه أو إثباته من نتائج يسعى الباحث التوصل
إليها. (وقد تكون النتائج المحصلة ميدانية أثناء فترة تربصية كتلك التي يقوم ﺑﻬا الطلبة القضاة).
ولذلك تبرز الخطة معالم الموضوع وتبيّن مدى توافر مقومات البحث العلمي من خلال
التقسيمات المختلفة للموضوع . وهذا بتمييز بين المسائل الهامة والثانوية والفرعية التي تتضمنها
هذه المعلومات والبيانات.
وبذلك تتجسد أولى إبداعات خلق الباحث، مما يساهم في بيان معالم مقومات البحث
العلمي.
وهكذا يجب أن توضع خطة البحث بإحكام وأن ترسم بإتقان، وفقا لطبيعة الموضوع محل
البحث، والمنهجية المتبعة لمعالجة ذلك الموضوع.
6
ولكن في جميع الحالات يجب أن تكون الخطة مرآة عاكسة لمحتويات موضوع البحث،
ولأن خطة البحث الدالة الأولى على إمكا نيات الباحث ومؤهلاته العلمية ﻟﻤﺠاﺑﻬة الموضوع
والإبداع فيه.
ب. شروط وضع خطة البحث:
وأهمها:
1) أن تكون التقسيمات موحدة وثنائية.
2) تناسب التقسيمات، وتوازﻧﻬا.
3) أن ترسى التقسيمات على قاعدة موضوعية.
4) مناسبة التقسيمات لطول البحث.
5) تناسق وترابط وتواصل بين التقسيمات المختلفة.
6) تناسق محتويات التقسيمات المتناظرة.
7) ويجب تجنب التكرار.
وفي جميع الحالات يجب أن تكون خطة البحث مؤسسة.